المادة    
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي: "ونؤمن بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة على المرسلين، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين"، وقد شرح ذلك الإمام ابن أبي العز فقال: "هذه الأمور من أركان الإيمان"، إشارة إلى الإيمان بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة، ثم ذكر الحديث الدال على ذلك وهو حديث جبريل عليه السلام حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، وهو واضح الدلالة على أن الإيمان بالملائكة والنبيين والكتب من أركان الإيمان.
ومعنى ذلك: أنه لا يكون مؤمناً من لم يؤمن بالملائكة، ولا يكون مؤمناً من لم يؤمن بالرسل جميعهم، ولا يكون مؤمناً من لم يؤمن بالكتب جميعها، فمن كفر ببعض فإنه ليس بمؤمن وإن آمن ببعض!
وإذا قلنا: الإيمان بالله، أو قلنا: الإيمان، فإننا نعني الإيمان الذي ورد في كتاب الله تعالى وفي حديث جبريل، وهو الإيمان بهذه الأركان جميعاً؛ وإذا قلنا: فلان مؤمن، أو فلان مؤمن بالله، فنعني بذلك وصفه بالإيمان بما جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أي: أن هذا الموصوف بهذه الصفة هو من أهل دين محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أتباع ملة إبراهيم، فمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهو بطبيعة الحال مؤمن بجميع الكتب ومؤمن بجميع الرسل، لكن من لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهو في الحقيقة كافر بجميع الكتب، وكافر بجميع الرسل.
ولذلك لا يجوز أن نسمي اليهود والنصارى مؤمنين بأي حال من الأحوال؛ فإذا قيل: هم يؤمنون بالله أو يؤمنون بالملائكة أو ببعض الرسل، قلنا: هذا الكلام غير مقبول إطلاقاً؛ لقوله تعالى: ((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ))[آل عمران:19]، هذا هو الدين، وهذا هو الإيمان.
وكل بشارة بالنجاة للمؤمنين كقوله تعالى: ((وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ))[يونس:2]، فإنما هي للمؤمنين المتقين الذين هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل في ذلك اليهود ولا النصارى بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم أبداً، أما قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من كان مؤمناً -وهم القلة- قال صلى الله عليه وسلم: {وإن الله نظر إلى أهل الأرض عربهم وعجمهم فمقتهم إلا بقايا من أهل الكتاب}، وهم الذين بقوا على التوحيد.
والذي كان من أهل الكتاب على التوحيد، ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإنه يؤتى أجره مرتين؛ كما في حديث الثلاثة الذي يؤتون أجرهم مرتين: {ورجل آمن بنبيه ثم آمن بي}، وقال تعالى: ((أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ))[القصص:54].
فالمقصود: أن من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فلا يعد مؤمناً بالله، ولا بملائكته، ولا بكتبه، ولا برسله، ولا باليوم الآخر، ولا يستحق اسم الإيمان؛ لأن الله قد أخذ العهد والميثاق على الرسل أنفسهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ))[آل عمران:81]، فأخذ الله الميثاق على الأنبياء أنه إذا جاء إليهم محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به، وأن يتبعوه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي}، أي: لو كان موسى عليه السلام بنفسه حياً لكان من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وعيسى بن مريم عليه السلام لو كان موجوداً على الأرض، لكان من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإنه إذا نزل في آخر الزمان وقتل المسيح الدجال، فإنه يكون على دين محمد صلى الله عليه وسلم، ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
وعليه فإننا حين نقول: المؤمنون، أو المؤمنون بالله، فإنما نقصد بذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر قطعي لا يقبل النقاش.
فمن دخل في دين الإسلام من أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فإنه يعد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو من المؤمنين، ومن أبى فإنه لا يسمى مؤمناً، إلا أن يقيد إيمانه بحسب ما هو عليه؛ فيقال: يؤمن بدين اليهود، وإن كان يقر بوجود الله، وهو من أهل الشرك -كما كان حال العرب في الجاهلية- فلا يقال عنه: مؤمن بالله، بل يقال عنه: يؤمن بوجود الله، أو يؤمن بوجود خالق لهذا الكون، وأن الخالق هو الله، ولكنه ليس مسلماً؛ إذ ليس هو من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا وأمثاله لا يدخلون الجنة؛ لأن الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، بل لا توجد آية في القرآن علقت دخول الجنة على مجرد الإسلام، فلابد من الإيمان، وهي درجة أعلى من الإسلام، على ما سوف نفصله إن شاء الله.
  1. الأصابع الخفية وراء دعوة تقارب الأديان